الأربعاء، 4 أبريل 2012

يوميات عامل في المشرحة يعيش لخدمة الجثث ويفضل الحياة مع الاموات


يوميات عامل في المشرحة يعيش لخدمة الجثث ويفضل الحياة مع الاموات

''يشاع عنا القسوة وجمود المشاعر والإهمال، وأحيانا غياب الذمة وتلقي رشاوي مقابل بيع الأعضاء البشرية، ولا يعلم الكثيرون أننا أكثر الناس قربا لله فنحن نقضي أعمارنا برفقة الجثث والمتوفين، وقد يبدو علينا القوة ولكنها ارادة الله في أن نظهر تماسكنا ونقف بجوار الإهالي ونباشر عملا يرفضه الكثيرون ونتقاضى عنه القليل، لكننا تعلمنا أن الحياة زائلة''.
هكذا تحدث إلينا أحد عمال مشرحة زينهم الذي رفض ذكر أسمه مراعاه لظروف عمله.
ويتابع ''عالم المشرحة كبير ولا يتوقف فقط على الجثث المتواجدة في الثلاجات سواء الناجمة عن الحوادث وجرائم القتل والبلطجة أو أحداث الثورة مؤخرا، وإنما هناك العديد من انواع البشر الذين تتعامل بصفة يومية غير الجثث، وأبرزها الطبيب الشرعي ومساعديه وفني التشريح والمغسلون والحانوتية وعمال النظافة والامن فهي منظومة تعمل على خدمة الجثث ومراعاة الاساليب العلمية للوصول لاسباب الوفاة او هوية أصحاب تلك الجثث.
ويضيف عامل المشرحة ''دوري كفني تشريح على مدار عشرات السنوات يتلخص في تجهيز الجثث ووضعها على ترابيزة التشريح وتجهيز معدات التشريح ومساعدة الطبيب أحيانا إذا تطلب الامر، ثم تجهيز الجثة بعد التشريح وإعادتها مرة أخرى للثلاجة بعد أخد العينات وتشريحها وتوصيلها للمعامل.
وهناك أدوار اضافية قد تخلقها الظروف مثل رعاية ومواساة الاهالي وأصحاب الجثث خصوصا في أيام الثورة والحوادث الكبري كحوادث القطارات والطرق السريعة أو الحرائق والتي قد ينجم عنها تجمهر من قبل الاهالي وربما محاولات لاقتحام المشرحة خصوصا مع صعوبة الوصول لذويهم وضرورة الانتظار لحين صدور نتائج التحاليل وربما إنتهاء التحقيقات في القضايا وبالطبع هو الامر الذي لا يتجمله الكثيرون فدائما ما يشغل أهالى المتوفين هو اكرامه ودفنه، كما أن بعض الاهالي يخشون على ذويهم من التعرض للسرقة أو التشوية نتيجة التشريح وهذا يتطلب وجودنا لتهدئة الاهالي ومحاولة مساعدتهم في التوصل لذويهم.
ويكمل: ''في بداية عملى كان العمل شاقا وصعبا خاصة مع  بداية رؤيتي للجثث ومنظر الدماء أثناء التشريح، وكنت أحيانا أحلم بكوابيس وتعرض لحالة نفسية صعبة وعدم رغبة في الحياة وفكرت في الاستقالة وكنت أخشى البوح بطبيعة عملى لابنائى حتى لا يخافوا من التعامل معي، فلم أكن أبوح لعائلتي وأصدقائى، ولكن بعد مرور أعوام أعتدت منظر الجثث والثلاجات وعمليات التشريح وعلم كل من حولي حتى أبنائي ولكنهم هم الان الذين يخجلون من البوح لاصدقائهم بطبيعة مهنتى، ولا أنسى بعض المواقف المحرجة التي تعرضت لها على مدار حياتي فقد كان البعض يخشى مصافحتي أو تناول الطعام معي لانني اتعامل مع الجثث وأخرون كانوا يظنون أنني ''عشماوي''.
ويتابع ''رغم اعتيادي على مناظر الجثث الا انني أتألم لحالة طفل بالمشرحة واتخيل مشاعر والديه لفقدانه كذلك عندما تكون حالة الجثث مشوهة للغاية ولا يستدل على صاحبها وتظل بالشهور لتدفن في النهاية بمدافن الصدقة، وفي الاونة الاخيرة كان تعاملنا مع الجثث بإزدياد لكثرة المتوفين جراء أحداث الثورة، فقد كانوا ''ولاد ناس'' وفجاة أصبحوا بداخل ثلاجات تمهيدا لدفنهم وهم لم يقترفوا ذنبا سوى مطالبتهم بالحرية.
ويشرح ان أهم ما يميز عملنا بالمشرحة أننا نقضي أغلب عمرنا في التعامل مع الجثث والمتوفين وهو الامر الذي يزيد من قربنا لله ويذكرنا دائما بقضاء الله ولهذا غالبا ما أقضي ساعاتي اثناء عملي وأنا ادعو واصلي للمتوفين وأطلب لهم الرحمة والمغفرة خاصة عندما يكون لدي وردية عمل بالليل، وأحيانا أرى أن الحياة مع الاموات أفضل بكثير من الاحياء بكذبهم ونفاقهم ومظاهرهم الخداعة.

0 التعليقات:

إرسال تعليق